واقع البطالة في البلدان العربية
الملخص
منذ أمد بعيد وبلدان العالم العربي تنتهج مسارات تنموية مختلفة بهدف تحقيق النمو الاقتصادي , غير ان تلك المسارات أثبتت انها غير قابلة للاستمرار على المدى المتوسط أو البعيد . ففي منتصف الثمانينات أثر الانخفاض الكبير في عائدات النفط على افرازات السياسات التنموية السائدة حينذاك مما أحدث جملة من المشاكل التي تطلبت اصلاحات اقتصادية واعادة الهيكلة . فقد أدت تلك السياسات الى هيمنة القطاع العام على جميع الأنشطة الاقتصادية وتراكم الديون وارتفاع معدلات البطالة .وكان القطاع العام هو محرك النمو الاقتصادي وهو الذي يوفر فرص العمل وهو الذي يقدم الخدمات الاجتماعية . وقد أدت هذه السياسات الى وضع يعتمد فيه السكان على " دولة الرعاية" في تخطيط حياتهم وتوجيهها . وفي هذه الحلقة المفرغة أصبحت الدولة أسيرة لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية المفتوحة , واعتاد الناس على تلقي ما تقدمه لهم الدولة . وبعد استمرار هذا الوضع لأكثر من 20 عاما" أصبح التخلي عنه في فترة قصيرة من الزمن مسألة بالغة الأهمية . وفيما يتعلق بقطاع العمل سادت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أوضاع خارجية مؤاتية , حيث أمكن بفضل ازدهار حركة التشييد والهجرة الخارجية , استيعاب نسبة كبيرة من اليد العاملة المتزايدة في الوطن العربي لا سيما العمالة القادمة من القطاع الزراعي وأعمال الريف . وأصبحت الهجرة الخارجية هي الهدف الأساس في البلدان التي تكثر فيها اليد العاملة ولم يكن التعليم والمهارات من المتطلبات الأساسية للعثور على عمل في قطاع الخدمات وقطاع البناء والتشييد في الخليج , لذلك لم يكن هناك أي اهتمام بمستوى معظم اليد العاملة التي اختارت الهجرة . وكان هذا بالذات هو حال اليد العاملة التي خرجت من القطاعات الزراعية في بلدان مثل مصر والاردن والجمهورية العربية السورية واليمن . وكانت فرص العمل في بلدان الخليج مضمونة للمواطنين بغض النظر عن التعليم أو المهارات .وفي فترة التسعينيات انتفت الحاجة بعد تشبع القطاع العام , فأصبحت فرص العمل المتوافرة للوافدين الجدد على سوق العمل مركزة في القطاع الخاص الذي يتطلب مستوى من المهارات أرقى وأكثر تنوعا" والذي فتح المنافسة أمام شتى الجنسيات ومع تغيير هيكل الطلب على العمل من هذه المعادلة في معظم البلدان العربية وتفشي ظاهرة البطالة بوتائر عالية , استلزم الوضع اجراء تغييرات موازية من جانب العرض لليد العاملة من أجل تحسين المهارات والقدرات ونوعية اليد العاملة عموما" . وأدت قلة التجاوب مع هذه التغيرات الى اعتماد أساليب انتاج تعتمد على كثافة رأس المال وبالتالي أفرزت البطالة والعمالة الناقصة . وأدركت الحكومات العربية شيئا" فشيئا" أهمية العمل على تنويع مصادر ايراداتها وتخفيف اعتمادها الكبير على القطاعات التقليدية غير المنتجة وعلى ايراد النفط (بالنسبة للبلدان النفطية)والمعونات الخارجية المتناقصة باطراد فضلا" عن سياسات الاصلاح المطلوبة لتشجيع الصادرات وزيادة كفاءة القطاع الخاص وتخريج عاملين أكثر مهارة ومرونة والحد من ظاهرة الفقر بتسريع وتيرة نمو الهياكل الانتاجية في البلدان العربية وردم فجوة التخلف الاقتصادي.