تقييم أداء السياسة النقدية والمالية في الأردن والخاصة بتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصاديين للفترة (2001-1980) (دراسة تحليلية مقارنة وقياسية لفترة ما قبل وبعد تطبيق برامج التصحيح الاقتصادي)
الملخص
تعتبر الحكومة وحدة اقتصادية مهمة ، تحتاج إلى أرصدة مالية لتمويل نشاطها العام ، وهي ما يعبر عنها بالإيرادات العامة ، والتي تحصل عليها الدولة في شكل تدفقات مالية من اجل تغطية النفقات العامة بهدف إشباع الحاجات العامة . وعلى هذا الأساس يتم الاعتماد على مصادر متعددة للإيرادات العامة والتي تختلف حسب النظام الاقتصادي السائد ومدى تقدم الدولة وكذلك نتيجة للتطور التاريخي للأنواع المختلفة من الإيرادات العامة . ويتناول علم اقتصاديات المالية العامة بصفة أساسية دراسة وتحليل السياسات المالية للحكومة المتعلقة بالأنفاق وتسمى (السياسة الانفاقية) ، وكذلك جباية الأموال وتسمى (سياسة الإيرادات الضريبية) . وبالتالي أثر السياستين سابقتي الذكر على كيفية تحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وبالأخص الآثار الاقتصادية للسياسة المالية ، وهي ما يطلق عليها تسمية وظائف المالية العامة . حيث أن هناك ثلاثة وظائف أساسية للمالية العامة ، الأولى هي وظيفة توجيه الموارد الاقتصادية نحو أفضل الاستخدامات وتسمى بوظيفة التخصيص . والوظيفة الثانية هي إعادة توزيع الدخل والثروة إذا كان التوزيع القائم غير مقبول في المجتمع وتسمى بوظيفة التوزيع . ثم وظيفة الاستقرار الاقتصادي التي تستهدف تحقيق مستوى عالي من العمالة ، واستقرار مستويات أسعار السلع والخدمات ، وتحقيق توازن في ميزان المدفوعات ، بالإضافة إلى تحقيق معدلات نمو عالية ، وكل ذلك بهدف تحقيق التوازن الاقتصادي الذي يعجز نظام السوق عن تقديمه (1) ، ولعل الملاحظة التي ينبغي تأكيدها أن التنمية في ظل العولمة تعني إفراغ مفهوم الدولة من معنى السيادة والقانون لتجعله في آخر الأمر رهينة لاعتبارات السوق والقائمين عليها . ومن ثم يصبح افتراض انسجام الدولة كقوة وسلطة ، والسوق كثروة ، والمجتمع كثقافة ، ليس صحيحا وان تداخلت في مضامينها و أبعادها . لهذا فان النهج الذي سارت عليه العديد من البلدان النامية والمستمد من سياسات التصحيح الاقتصادي والمؤسسة على أساس النظرية الرأسمالية النيوكلاسيكية ، اقتضت من هذه البلدان تعظيم الإنتاج إلى حدود كبيرة دون مراعاة الآثار الاجتماعية الناجمة عنه ، تنفيذا لسياسات مؤسسات الإقراض الدولية وبخاصة "البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" . كما أن رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية اضر بمستوى المعيشة للفئات الفقيرة ، فأصبحت معه هذه البلدان تعاني من اختلالات وتشوهات عميقة في بناها المختلفة خاصة بنيانها الاجتماعي والثقافي . ومن الواضح أن تخفيف معانات الشرائح الاجتماعية الفقيرة لا يتم إلا من خلال إعادة توزيع الدخل والتي تتطلب من الحكومة التدخل وعن طريق سياساتها الضريبية والانفاقية المختلفة للقيام بوظيفتها التوزيعية ، ولكن فكرة توزيع الدخل هي فكرة لا تنسجم مع توجهات النظرية الرأسمالية النيوكلاسيكية . وتشير البرامج المذكورة إلى أن ترشيد الطلب يقتضي تقليديا استخدام أدوات السياسة المالية والنقدية الائتمانية ، وذلك لاعادة تنظيم سياسات الاقتصاد الكلي ، أما معالجة جوانب العرض فان برامج التغيير الهيكلي تعمل على رفع كفاءة أسواق الموارد الاقتصادية ، وقد استهدفت السياسة الاقتصادية الأردنية الاهتمام بجانبي العرض والطلب منذ نهاية عقد الثمانينات ، فقد واجهت هذه السياسة التشوهات الحاصلة في جوانب الطلب من خلال ضبط السيولة النقدية وتحديد نمو العرض من النقد والسعي إلى ترشيد سعر الفائدة ، ومحاولة ضبط المستوى العام للأسعار وتوجيه الإنفاق العام ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات العامة . ولقد انصب الاهتمام بشان ممكنات العرض من خلال آليات تحفيز استخدام الموارد ، ولاسيما في الجوانب المتعلقة بتحرير التجارة الخارجية وتنشيط الاستثمار المحلي والأجنبي ومحاولة تخفيض الأهمية النسبية للدين الخارجي إلى إجمالي الناتج المحلي . وعلى الرغم من أن المؤشرات الرئيسية للأداء الاقتصادي تشير إلى أن هذه البرامج قد حققت أهدافها فيما يتعلق بمستوى الاستثمار ومعدلات التضخم وعجز الحساب الجاري على وفق منهجية "ما قبل وما بعد برامج التصحيح" ، إلا أن هذا المنهج لا يوضح فيما إذا كان تحقيق هذه الأهداف نابعا من استخدام الأدوات التي يتطلبها جانب الطلب أو جانب العرض أو أن تلك الأهداف قد تحققت من جراء أسباب أخرى ، ولقد ظهر إلى الوجود وعلى صعيد البلدان النامية المطبقة لسياسات التصحيح الاقتصادي ومنها الأردن وجهتي نظر متناقضتين في الطروحات ، الأولى وتعتبر امتدادا لطروحات التنمية التقليدية والتي ظهرت مع بدايات حركات التحرر من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية والمفسرة لحالة التخلف بنظريات التبعية والاستعمار والتي نجدها بشكل خاص في أدبيات التيارات الماركسية والقومية . وتتلخص حلولها التنموية بانتهاج سياسات التخطيط المركزي مع اعتبار أي دعوة لتطبيق الاقتصاد الرأسمالي الحر تراجعا عن النهج الوطني ، وعودة للاستعمار من جديد . أما الطروحات الثانية فتعتبر سياسات التصحيح الاقتصادي هي المنقذ لاقتصاداتها لأنها وباختصار تقربها من سريان قوانين السوق التلقائية عليها ، وبالتالي إمكانية ربطها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي ، وهو ما تبتغيه هذه الطروحات .
(1) للمزيد من المعلومات ، انظر في ذلك :
ريتشارد موسجريف ، بيجي موسجريف ، المالية العامة في النظرية والتطبيق ، ترجمة : محمد حمدي السباخي ، ط1 ، دار المريخ للنشر ، الرياض ، 1992 ، ص ص21-36 .