الاستثمـار الاجنبي المباشر والهجـرة الدوليـة للعمـل
Abstract
المقدمة
تركز معظم الدراسات التي تناولت مسائل الهجرة الدولية للعمل على فهم العوامل التي تحدد تدفق العمل المهاجر و قياس اثر هذا التدفق على سوق العمل وعلى النشاط الاقتصادي في البلدان المتلقية و المصدرة للعمل . إلا أن القليل من الدراسات اهتمت بتناول العلاقة التداخلية بين التنمية الاقتصادية و هجرة العمل .
تسعى هذه الدراسة إلى البحث في احد جوانب هذه العلاقة ، تحديدا العلاقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر و الهجرة الاقتصادية للعمل ، بالتركيز على الكيفية التي يتاح فيها للاستثمار الأجنبي المباشر إن يؤثر في هجرة العمل من البلدان النامية ‘ سيما وان المناخ الاقتصادي الدولي الحالي يركز على المقاربات الليبرالية في دور الاستثمار الأجنبي المباشر في التنمية الاقتصادية في البلدان النامية.
ترى المقاربة الليبرالية في مسألة العلاقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر و الهجرة الدولية للعمل انه بالقدر الذي يساهم به الاستثمار الأجنبي المباشر في تسريع وتنشيط النمو الاقتصادي و تقليل الفقر في البلدان التي تسود فيها ظاهرة تصدير اليد العاملة ، بهذا القدر يمكن أن يعمل هذا الاستثمار – في الأجل الطويل وكاتجاه عام – على الحد من الضغوط باتجاه الهجرة ، باعتبار إن الاستثمار الأجنبي المباشر يمثل من الناحية النظرية على الأقل البديل عن هجرة العمل . كما تؤكد هذه المقاربة على توسط دور هذا الاستثمار في عملية التنمية الاقتصادية و ما سيترتب عليه من توليد فرص الاستخدام ، التي و إن بدت ضئيلة على المستوى الإجمالي ، إلا أنها يمكن إن تكون كبيرة في بعض البلدان و بعض الصناعات . كما يذهب التقليديون إلى مزيد من الإشادة بدور الاستثمار الأجنبي المباشر على سوق العمل المحلية عندما يشددون على القول بان التدريب و آفاق تطوير المهنة غالبا ما ترتبط بالتوظف في فروع الشركات الأجنبية ، التي تزود منتسبيها بالمهارات اللازمة لتنشيط الحركة المهنية باتجاه الأعلى upward mobility وتحسين الوضع المهني الذي يؤدي بدوره إلى كبح الميل نحو الهجرة بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن فرص أفضل للعمل .
واستنادا إلى هذا المنطق تنصح المقاربة الليبرالية البلدان النامية بإتباع السياسات الداعمة إلى تسهيل دخول الاستثمار الأجنبي المباشر ممثلا بالشركات المتعدية الجنسية ، لما يمكن إن يحققه هذا الاتجاه من توليد لفرص العمل و توسيع الآفاق أمام المهارات المهنية و توفير فرص الحركة المهنية نحو الأعلى ، و تقليل الضغوط نحو الهجرة .
يستند هذا البحث إلى فرضية مفادها انه بالقدر الذي يتداخل فيه نشاط الاستثمار الأجنبي المباشر في النشاط الاقتصادي المحلي للاقتصاد المضيف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية الشاملة و في تقليل الضغوط الدافعة نحو هجرة العمل دوليا .
ومع الأخذ في الاعتبار انه أصبح من الصعوبة بمكان في عالم اليوم التصدي للبحث في أي موضوع دون الرجوع إلى المناخ الدولي الداعم إلى هذا الرأي أو ذاك ، فان هذا البحث سيحاول إن يحصر نفسه في التحري عن هذه العلاقة التي تفترضها النظرية التقليدية بين الاستثمار الأجنبي المباشر ودوره في التطور الاقتصادي في البلدان النامية و بين الهجرة الدولية للعمل ، للوقوف في النهاية على إمكانيات تطبيق النظرية الاقتصادية في البلدان النامية بنفس القدر من النجاح الذي تحقق لهذه النظرية في بواكير التطور الاقتصادي في البلدان المتقدمة أبان مراحل نموها الأولى ..